مشاهير العرب - في عيد ميلاد «الكـينـج» اقـرأ التـاريخ.. واسمـع مـنـيـر - أخبار كلمتك

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

القاهرة - ياسر ابراهيم - الاثنين 14 أكتوبر 2024 10:12 صباحاً - حينما طلبنا من روبوت الدردشة "شات جي بي تي" أن يختصر لنا مشوار حياة الفنان محمد منير في عنوان، وصفه بـ"أسطورة الإصرار والإبداع"، وهي ليست مفاجأة "مذهلة"، فمن قرأ وسمع وفهم المعنى الحقيقي للغناء في الأربعين سنة الماضية، سيدرك على الفور أن "الذكاء الاصطناعي" غاص في نفوسنا المتعبة، التي حلّق بها الكينج نحو آفاق الحلم، وفهم تعقيدات رحلة شاقة مفعمة بتناقضات الفرح والشجن والهزيمة والفقد والتشبث بالأمل لآخر نَفَس، فنحن قوم "لو بطّلنا نحلم نموت"!

ولأن الأساطير لا تعاد مرتين، وإنما تبقى محفورة في الوجدان، كالحجر النادر الذي تزداد قيمته بمرور الزمن، يحتفل "الكينج" بعيد ميلاده السبعين، والحقيقة أننا نحن مَن يحتفل بوجود هذا الفنان بيننا، الذي يتنفس معنا نفس الهواء صحيح، ولكنه يتفاعل بصدره تفاعلات كيميائية وإنسانية مختلفة، ليخرج زفرات أحلام تحقق منها ما تحقق، وظل بعضها يختلج في صدره كلمات وموسيقى، تدفع جوارحنا للرقص على الوجع، والتمايل على نغمات العشق، وحتى الخذلان والذكريات النازفة على أوتار الحنين، وينساب صوت لا تخطئه أذن، لمحمد منير، أو "منير" كما يحلو لـ"المنايرة" أن يسموه، ففخامة الاسم وحدها تكفي دون ألقاب، وكيف لا وقد استطاعت هذه الحنجرة أن تكون "ميكروفونا متناهي العبقرية"، استجمع أصوات الملايين، وعبّر بمنتهى الصدق عما يجيش في الصدور من أحاسيس متأرجحة بين مد وجزر في بحر الحياة؟

كل الألقاب العظيمة تناسب العظماء، قل عنه أيقونة، أو أسطورة نوبية، انفجرت منها شلالات الإبداع، والتميز الثقافي، بحر ثائر الأمواج هادر بالعطاء، فياض بالمشاعر التي تلمس شغاف القلوب فتزلزلها، صحيح أن كثيرين منا لم يكن يافعاً بانطلاق أولى صرخات ميلاد فنه للعالم، حينما كتب له القدر موعدًا فاصلاً مع الشاعر النادر "عبد الرحيم منصور"، ليلتقي "الغريبان"، فـ"منصور" الغريب الراقص على "حصى الوجع"، وجد ضالته في "منير" ليكون "صوت أشعاره"، بمصاحبة موسيقى "أحمد منيب"، فيتحول الثلاثي إلى أسطورة متعددة الأبعاد، تراها بملامح متجددة كلما نظرت إليها من زاوية مختلفة، وفي 1977، وُلد مشروع "علموني عنيكي"، وبانضمام الموسيقار هاني شنودة للرحلة، انهمر شلال الإبداع الفريد الذي لا يشبه أحداً في تاريخ الفن المعاصر، وكأنها "كائنات خارقة" تخطت حدود الزمان والمكان، بل و"الزمكان" أيضا بمفهوم أينشتاين.

"أحزن أغني أفرح أغني"، حينما اشتعل قلبه بنيران الفقد، هرع نحو جمهوره يحتمي به من صقيع الوحدة، ففي فبراير الماضي كان "واقف كما النخل باصص للسما"، في حفل القاهرة الجديدة ينهل من جمهوره إكسيرا للحياة، ليتجاوز صدمة رحيل شقيقته الكبرى، وهو الذي هزمته دموعه أمام جمهور الإسكندرية في حفل صيف 2022، وهو يغني "بعشق البحر" عند كوبليه "وضاع فيه الصديق أنا بعشق الطريق"، بعد رحيل صديق عمره "الملحن الألماني رومان بونكا"، ولعل رحيل شقيقه "فاروق" كان الفقد الأول والأكبر، فهو أول من آمن بموهبة "منير"، ودعمها في بدايات مشوار الكفاح من النوبة للقاهرة، فلم يكن بوسع منير وقتذاك إلا إلغاء حفله بألمانيا، والعودة لحمل جثمان "أبيه الروحي" ونزفت روحه بأغنية كتبها الشاعر مجدي نجيب: "لو كان لزاماً علينا الرحيل.. كارهك يا وداع ولا بديل".

وبرغم وهج الموسيقى والغناء، انطلق الكينج نحو عالم موازٍ من الإبداع في السينما، حلمه الأكاديمي، وتلقفته أيدي المخرج العالمي يوسف شاهين لوضع بصمة جديدة أكثر تفرداً بفيلم "حدوتة مصرية" لتلخص كلمات أغنيته حكاية البشر، ثم فيلم "اليوم السادس"، وباعتذار عمرو دياب عن "المصير"، يشارك منير في الفيلم الذي صفق له جمهور مهرجان "كان" في يوبيل "شاهين" الذهبي، وأطلق فيه "علّي صوتك بالغنا" لتتحول إلى أيقونة "تحفيز نفسي" عابرة للأزمنة والأجيال، وتنوعت تجاربه في السينما برصيد "11" فيلما، واتجه لـ"أبي الفنون"، بعدد من المسرحيات، أشهرها "الملك هو الملك" التي صبغته بصبغة جديدة بين جمهوره ليطلق عليه بعدها لقب "الكينج" عن جدارة واستحقاق، هذا الكينج الذي عشقه الأطفال على مدار أجيال بفضل "بكار أبو كف رقيق وصغير"، وعندما غنى لغيره أبدع أكثر، في "بعشق البحر"، و"حكايتي مع الزمان"، و"فينك يا حبيبي"، و"شيء من بعيد نداني"، هذا الكينج المتمرد عاشق الحرية الذي لم يحتمل الحبس في "القفص الذهبي" أكثر من شهرين في مغامرته الزوجية الوحيدة (2014)!

يتقافز للذهن سؤال بديهي: لماذا يشتبكون ويتعاركون حول "مَن الجدير بلقب صوت مصر"، وعندنا محمد منير؟ نبع صدق المشاعر الوطنية الذي تجد صوته ملاذاً آمناً حين يصيبك ضجر اليأس، وأول "المهرولين" لنصرة قضايا الوطن في "عز الأزمات"، هذا هو سرّ تحوّل أغنيته الشهيرة "إزاي" إلى أيقونة ثورة يناير، برغم تسجيلها في 2010، فقد اختار لفظ "أتمعشق" إمعاناً في "عشق تراب مصر"، وهو يقول: "إزاي ترضيلي حبيبتي أتمعشق إسمك وانتي عمالة تزيدي ف حيرتي"، ثم تناثرت روحه عقب اندلاع طوفان

الأقصى، ليطلق صرخته "يا فلسطيني" في نوفمبر الماضي، بكلمات الشاعر الراحل عصام عبد الله، التي يقول فيها: "يسكت يسكت نبض الشعب.. وفجأة يطرشقلك شرايينك"، ويختار لفظ "طرشق" النابض الراكد في قاع قواميس اللغة!

"علموني عنيكي، بنتولد، شبابيك، اتكلمي، بريء، وسط الدايرة، شوكولاتة، يا اسكندرية، مشوار، أسامينا، الطول واللون والحرية، افتح قلبك، ممكن، من أول لمسة، حبيبتي، الفرحة، في عشق البنات، قلبي مساكن شعبية، أحمر شفايف، حواديت، إمبارح كان عمري عشرين، طعم البيوت، يا أهل العرب والطرب، الروح للروح بتحن، باب الجمال"، مئات من اللآلئ زيّنتها حنجرة "محمد منير محمد أبا يزيد جبريل متولي"، كل أغنية منها تحمل قطعة من أعمارنا العطشى اللاهثة بين منبع ومصبّ، بين الأصالة والمعاصرة، التراث والحداثة، الوضوح والرمز، البساطة والعمق، الفلسفة والبحث عن الذات، الانطلاق والمرح، اللهجة المصرية والنوبية، اللون الشعبي والرومانسي والوطني، يا لها من معادلات معقدة ومزيج مدهش، صنعت عالماً خاصاً و"براند" ماركة مسجلة باسم الكينج.

علاقة منير بالأسبوع بدأت بالتزامن مع صدور الأعداد الأولى للجريدة أواخر التسعينيات، وصدح صوته، في حفل أقيم بهذه المناسبة، حتى الساعات الأولى من الصباح وغنى بمشاركة محرري الجريدة:"علّي صوتك علّي صوتك بالغنا".

محمد منير، كل لحظة وأنت طيب.

سعد شهاب

الكاتب

سعد شهاب

صحفي يزاول مهنة الصحافة المنطوقة و المكتوبة، واعمل في جمع ونشر الاخبار بكل التفاصيل وكل ما يخص الأحداث السياسية والفنية العالمية والمحلية والترجمة. لدي سنوات عديدة من الخبرة في مجال الإعلام والصحافة والتسويق وأحمل شهادة البكالوريوس في التسويق كما قد قمت بتطوير مواهبي في الصحافة بعد أن بدأت العمل في هذا المجال.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق